جمهورية الإسلامية كانت إزاحة شاه ونظامه هي الهدف المشترك لكافة فصائل , ولكنهم كانوا يختلفون فيما بعد ذلك اختلافا كبيرا , وهو ما دفع بذكاء الخميني إلى أن يؤجل البحث في التفصيلات — التي تفكك جبهة — حتى تحقيق الهدف المشترك , وكان يطمئن المتشككين بأن المراجع الدينية لا تتطلع للحكم وفي الفترة التي أعقبت سقوط نظام الشاه انكشفت الخلافات بين كافة التيارات الثائرة وبدأ التنافس بينها لتفسير أهداف , منهم من كان يقول أنها إنهاء للاستبداد ومنهم من كان يطالب بمزيد من الإسلام , ومنهم من كان يكتفي بالحد من التأثير الغربي الأمريكي , وآخرون يطالبون بالعدالة الاجتماعية والمساواة , غير أن كل هؤلاء لم يتوفر لهم ما توفر للتيار الديني من طريق ممهد لاستلام السلطة , إذ بادر الخميني في البداية لطمأنة الآخرين بتعيينه مهدي بازركان الليبرالي الإسلامي رئيسا للوزراء , الذي سعي لإنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية , كان الخميني يؤسس مركزا آخر للسلطة بديلا للحكومة وهي المنظمات الثورية التي اعتمد عليها لحماية سلطته , مثل الحرس الثوري والمحكمة الثورية والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية , ففي الوقت الذي كان رئيس الحكومة يطمئن النخبة المثقفة والطبقة الوسطي كان الخميني يدرس ثلاثة خيارات , الأول هو الحفاظ على نمطية الدولة المعاصرة وتسليم السلطة للنخبة السياسية التي شاركته لتأسيس نظام وفق الديمقراطيات الغربية , والنأى بالمرجعية الدينية عن ممارسة السلطة وإبقائها كمرجعية روحية تضبط مسار القيم الأساسية للحياة , أما المسار الثاني فهو استلام السلطة وممارستها وفق نموذج دار الإسلام وتحويل إلى دار هجرة للمناضلين الإسلاميين لإعادة الإسلام كقوة دولية من جديد أما المسار الثالث فكان المزج بين المسارين , بحيث ينشئ دولة قومية معاصرة ملتزمة بالنظام الدولي ومواثيقه , وفي نفس الوقت يستخدم إمكاناتها لإعادة الإسلام كقوة دولية بقيادة , وكما يبدو أنه اختار المسار الثالث , وأخذ يجهز لدولته الإسلامية في ويضع لها دستوره الذي صاغ شكل هذه الدولة كما يلي : أولا : جمهورية الإسلامية هي أول محاولة تطبيقية لأسلمة الدولة النمطية المعاصرة , فقد التزام الخميني حرفيا بقدر ما استطاع بالقوالب النمطية للدولة المعاصرة , ولم يبعد كثيرا عنها ولم ينشئ كيانا شاذا عن الوحدة الأساسية للنظام الدولي , لقد جاء دستوره ليؤكد فكرة الدولة القوم ويتبني القومية الفارسية ويرسخها في كثري من مواده , رغم أن بقية القوميات الأخرى في تشكل أكثر من نصف السكان بقليل , لكن دستوره يتحدث عن الشعب , والعلم , وعن رئاسة الدولة والسلطات الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتنظيم العلاقات بينهما , كما جاء نظامه ليطابق كل ما في الدولة النمطية من وزارات وجيش ومؤسسات إعلامية ,وسلام وطني , وبنك مركزي وعملة وطنية , وتاريخ وطني ومنتخبات وطنية وغيرها , وعندما أراد أن يختار صفة يسمي بها دولته المقترحة لم يلجأ إلى التاريخ الإسلامي لينقب له عن أحد المسميات التي استخدمها المسلمون كما فعلت دولة طالبان مثلا , بل استخدم مسمي من نتاج الحضارة الغربية المعاصرة , فأطلق على دولته جمهورية الإسلامية ورغم أن نظامه الذي جاء به الدستور ليس نظاما جمهوريا وفق المفهوم السياسي المعروف والذي يعني أن الحكم بالدولة جمهوري أى أن يكون الحكم بيد أشخاص ينتخبهم الشعب وفق نظام خاص , وأن يكون للدولة رئيس يعين بالانتخاب لمدة محدودة لا بالتوارث إلا أنه استخدم المصطلح كما تستخدمه كثير من أنظمة العالم الثالث التي يحكمها العسكر.
فهي تبحث عن رجل يكون شريك في تكوين حياة سعيدة معها والمضي قدماَ في تحقيق أحلامها.
وحتى بعد استكمال منظومة الفقه والتشريعات والقوانين المنظمة لعلاقات الفرد بالله وبالأفراد وبالمجتمع والدولة , وبروز مفهوم الشريعة الإسلامية شهدت دار الإسلام فترات مديدة من النأى عن تعاليم الشريعة واختراق تعليماتها , وبنظرة سريعة لأحوال الحكم في الممالك الأموية والعباسية والبويهية والفاطمية والإخشيدية والطولونية والمملوكية والعثمانية والصفوية , نري دار الإسلام تعج بالمسلمين دون التزام دقيق بالشريعة الإسلامية , وحتى بعد احتلال التتار لدار الإسلام واستبدال الشريعة بمنظومة قوانين تتارية تسمي الياسق ظلت دار الإسلام محتفظة بصفتها رغم انتقال الغلبة لغير المسلمين وتبدل الأحكام الشرعية بغير الشريعة ومن خلال المسح التاريخي لمسيرة دار الإسلام لا يبدو أن وجود غالبية مسلمة في بلاد ما , أو تنفيذ كامل أحكام الشريعة بصيغتها المتوارثة , شرطان لاكتساب الدار صفة الإسلام , كما لا يبدو أن انتقال الغلبة إلى محتل طارئ مدعاة لزوال شرط الإسلام من الدار التي يقطنها المسلمون , غير أنه من الواضح أن الدار لا تكتسب صفة الإسلام ما لم يكن للمسلمين فيها شكل من أشكال الغلبة إما سياسية كما هو حال المسلمين زمن فتوح الأمصار , أو غلبة ثقافية وسكانية كما هو حال المسلمين في زمن التتار.
رغم النمطية التي تشترك فيها كل الدول المعاصرة إلا أنها تفاوتت في نظم الحكم , ويأتي هذا التفاوت من موقف أيدلوجي تجاه مفهومي الحرية والمساواة فالدول التي اعتبرت الحرية أساس الحكم وتبنت منهجا ليبراليا في الاقتصاد جاءت أنظمتها ديمقراطية تقدس وتضخم مفهوم حرية الفرد على حساب مصلحة المجتمع , وبشكل ذاب فيه مفهوم الأسرة التقليدي إلى أوهن صوره , وأصبح فيه الرأسمال هو الحاكم الفعلي الذي يمول الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة والبرلمان , والذي يتحكم في صناعة الفكر والرأي في خلال الشبكات الإعلامية والخزانات الفكرية التي يملكها أو بمول صناديقها , أما الدول التي اعتبرت المساواة هي أساس الحكم وتبنت منهجا اشتراكيا في الاقتصاد جاءت أنظمتها شيوعية تقدس مصلحة المجتمع إلى درجة إهدار قيمة الفرد بشكل تعسفي , وترتب على تفريطها بمفهوم الحرية بروز دكتاتورية الحزب الشيوعي وإقصاء الرأي المعارض وبصورة هيمن فيه على صناعة الفكر والثقافة والفن والرأى , وتلاشي الملكية الخاصة في ظل ملكية الدولة لكل مقدرات البلاد , وجاءت معظم دول العالم الثالث منحازة للحكم الفردي أو العسكرى بشكل تم فيه تقديس الفرد الحاكم على حساب الفرد والعائلة والمجتمع , وترتب على ذلك غياب الحريات والعدالة والمساواة جميعا , ولم يكن هناك نظرية حكم لمثل هذه الأنظمة سوى الاحتفاظ بالسلطة , ولذا جاء نظامها الاقتصادي خليطا غير متجانس من الاقتصاد الحر والاقتصاد المركزي , ومرتعا لشبكات الفساد والتنفع , ومرعي خصبا للبيروقراطية والروتين الحكومي.
يتم تمييز الحسابات الموثقة بشارة ولها أولوية خاصة في الموقع.
Description: ماذا يقصد باللفظ الذي ظهرت دلالته بنفسه على معناه ظهورا قويا ولا يقبل التأويل ولا النسخ ؟ ؟ ؟ ؟ المحكم 193.